Tuesday, November 16, 2004

The First Day اليوم الأوّل


استيقظت باكراً في الصباح ، مع أنّني لم أنم كثيراً ، استيقظت وأنا أسمع بأذنيّ صوت زقزقة العصافير ، ففتحت النافذة ، ورحت أقول لأمّي :
إفرحي ، فإنّ الطقس رائعٌ اليوم ، والنسمات ناعمة .
فهرولت مسرعةً لتقفلها ، لأنّ ما دخل منها ، كانت ريحاً محمّلة بالثلوج ، وراحت تقول :
- نجّنا يا ربّ من شيطان الجنون ، إنّ الصبح لم يلقِ علينا تحيّته بعد !!

لكنّي لم أحفل بذلك ، لأنّ ما فعلته بي إبنة الشتاء في لحظاتٍ قليلة ، كان أكثر بكثير ممّا يقدر على فعله أيّ إنسان . فقد نظرت الى نفسي فوجدتها فرحة ! وبرأيي لم يكن ذلك على حساب راحة الآخرين ، فهم من يحشرون أنوفهم في قضايا لا تهمّهم .

***

ارتديت ثيابي ، وخرجت الى الأرض ، كما يخرج الفلّاحون في أيّام الصيف الى حقولهم ، فتتّبعتني نظرات جيراني ، من وراء زجاج نوافذهم ، وأنا متجّهٌ الى الجبل الكبير ، الى أن أخفاني عنهم بعدي ، وأنا أقول في نفسي لهم : لماذا ؟ لماذا ؟
لماذا عليّ أن أكبت تلك النار في داخلي ؟
ولماذا يجب أن يشوى على سعيرها قلبي ؟
لماذا عليّ أن أخفي أحلى أيّام حياتي ؟
هل لتبقى أفواهكم مقفلة ، فلا تشطّ ألسنتكم من شدّة الحر ؟
هل لأنّ عقولكم الصغيرة ، لا تستطيع أن تفكّر إلّا بألأذى ؟
أم لأنّ زجاج منظاركم قذر ، فلا ترون من خلاله إلّا القذارة ؟
لماذا لا تنضجون ، لماذا لا تعون ؟
هل تعتقدون الصواب ؟
أنظروا الى السماء ، فتروا نور الشمس ساطعاً ؟
لكن هل لكم بصيرة ؟....
***

دخلت الى الكهف ، الذي تواعدنا على اللقاء فيه في أوقات النهار ، التي تكون فيها الشمس بعيدةً لا ترى . لأنّ إبنة الشتاء لم تكن تحبّ نور شمس الطبيعة ، وتخشى عليّ منها إن حصل
وعرفت بما بيني وبينها . دخلت الى كهف الشتاء ، فوجدته مقبرةً لذكريات الفصول الثلاثة الأخرى ، التي قتلتها الشمس . ذكريات كانت ترتديها إبنة الشتاء في أيّام حزنها ، ثمّ تنظر الى المرآة لترى أخواتها ، لأنّهم كانوا أربع فتيات لهنّ وجهٌ واحد ، وجسدٌ واحد ، وجه وجسد أمّهم الطبيعة ، كما قالت لي .

***

كانت فتاتي لا تزال لابسةً ثوب الحداد ، والدموع تلمع في عينيها ، فقلت لها :
إخلعي عنك السواد ، وإكتسي حلّة الفرح .
إكتسيها ، لأنّ الأشواك التي صنعتها الشمس ، لن تعود لتؤذيك .
لن تعود لأنّ ربيعنا أتى ، وهاك هذا التاج ، الذي حكته لرأسك من أشعّة شمس حبّنا وصداقتنا ،
تاجاً يذيب ثلوج أحزانك ، فيحوّلها فيضاناً ، ليجرف الآلام ويروي قلبك .
يرويه فتحيا بذلك البذور التي نثرتها في قلبك ،
يحييها أزهاراً ،
أزهاراً لنا ...

قالت :
لا ، هذا مستحيل ، فأنا إبنة الطبيعة التي ولدت فقط لتبكي ، وليشرب الناس من دموعها ...
وسيبقى وجهي هكذا ، لأنّه كما تتلاطم في باطن الأرض الحمم ، وتتضارب ، هكذا تتشابك الأحزان والآلام في قلبي . تتشابك ، لتتّحد وتلد بركاناً ، يشقّ طريقه الى وجهي .
بركاناً ثار ، فأحرق معالم جمالي بلججه الحامية ، ووشّحني بثوب الحداد .

فقلت والحرقة تلهب أحشائي :
دعيني أروّي جمالك بماء محبّتي ، دعيني أروّيه ، لتنبت عليه الأزهار سريعاً ، فأرضك
صارت خصبةً جدّاً ....

فأرجوك لا تبكي يا روحي ، لأنّه لا يوجد من يستحقّ أن تبكي لأجله .
لا تجعلي الأحزان تغلبك فتشلّك ، لأنّه لا يوجد من يستحقّ أن تحزني لأجله .
أنظري فالحياة أمامنا ، وسنعيشها كما كتب لنا ، معهم أو دونهم .

قومي ، قومي لنسير على تلك الدروب ، حيث لا مكان للكره والخطيئة !.
قومي لنطير في الفضاء الواسع ، فلا تلامس أرجلنا الأرض ، التي اتّسخت بهم وبآفاتهم !.
قومي الى البحر ، فتتّسع عقولنا بسعته لكلّ عظيم ، فنرمي عنّا صغائر الأمور ، التي لم تخلق إلّا للصغار !.
قومي لنقتل الفراغ في نفوسنا ، بالسعادة ، بسعادتنا بوجودنا ، بسعادتنا معاً !.
قومي فنتعانق في النور ، حيث لا يستطيع الناس أن يروا ، لأنّ النور يعمي أبصارهم !.
قومي لنرى العاصفة ، عاصفة غضبنا على هذا العالم .....

***

ثمّ عانقتها ، كما تعانق مياه الشتاء التراب ، فتميت الموت ...
كما تعانق أزهار الربيع أغصانها ، معلنةً بداية الحياة ...
كما تعانق حرارة الصيف الأثمار ، فتزيد من نضجها ...
كما تعانق مواسم الخريف أفواهنا ، فتنعصر لنشرب حلاوتها ...
لنشرب أتعاب الفصول ،
لنشرب كأس الحياة ...
***

وخرجنا كسكرانين من كأس الحبّ الذي شربناه ، وكنّا لا نخشى أن يرانا أحد ، لأنّ ربيعنا ، كان يرشّ علينا بكثافةٍ كبيرة ، الأزهار التي قطفها من ربوع الجنّة .
ثمّ أوصلتني الى عتبة داري ، فتركتني وحيداً بعدما ودّعتها ، هي الراحلة لتقاتل الشمس ، التي كانت تحاول الدخول الى قلبها .

***

دخلت البيت ، ووجدت أمّي مشتعلةً غضباً ، وراحت تؤنّبني قائلةً :
ألا تخاف من هذه الرياح العاتية المحمّلة بالثلوج ؟ الا تخاف من كلام الناس عليك ؟.

قلت :
هذه الرياح يا أمّي محمّلة بالأزهار .....

***

ثمّ خلدت الى النوم ، لأحلم بمن صارت كنه حياتي ووجودي ....

***

0 Comments:

Post a Comment

<< Home