Tuesday, November 16, 2004

The First Night الليلة الأولى


كنت خادماً للأرض منذ زمنٍ بعيد ، ولم أجد بين أهلها من طلب منّي أن أكون صديقه ، في أقلّ من ساعتين ، إلّا إبنة الطبيعة ، التي دفعتني لألامس حجارة وتراب الأرض في جسدها ، لأتأكّد ما إذا كنت صاحياً أم حالماً .
***
عدت من المكان الذي التقيتها فيه ، على طريقٍ أوحلته أمطار الشتاء . وكانت الرياح تعصف بشدّةٍ ، كأنّها معركةٌ بين أطياف فرحي التي رقصت للقياها ورفقتها ، وأطياف حزني التي انتحبت لفراقها .
***
وصلت منزلي في ساعةٍ متأخّرة ، بعد مصارعةٍ طويلةٍ مع الأوهام والمخاوف ، فوجدت أمّي بانتظاري ، وقالت منتهرةً إيّاي :
- ألا ترى أنّ الطبيعة شديدة الشراسة في هذه الأيّام ، فكيف تسمح لنفسك بالبقاء خارجاً لمثل هذا الوقت المتأخّر ؟.
فقلت وأنا حالمٌ هائمٌ :
- إنّ الطبيعة شديدة الجمال يا أمّي الحبيبة ، الطبيعة ناعمةٌ لدرجة أنّها لا تخيف ...
قالت :
- ما هذا الجنون ، أدخل واستحمّ قبل أن تصاب بالبرد ...
فاستحممت بدلو الماء الساخن ، الذي كان يغلي على نار الموقدة ، وهويت على فراشي من شدّة الوهن والتعب ، فلفّتني مَن ولدتني بلحافٍ من الصوف ، وهي تقول في نفسها : يا ليتني أستطيع مساعدتك يا بنيّ ، فأرسلك الى المدينة بعيداً عنها ...

ثمّ أطفأت السراج ، وغطّ البيت في ظلمته ، التي لم يعكّرها إلّا وهج البرق ، الذي كان يلحق بظلمة الشتاء ليخنقها ، حتى أبعد الزوايا الضيّقة .
***
مرّت ساعات الليل المتبقّية كفصلٍ من الفصول . فقد بدأ الربيع في أحلامي ، وانتهى شتائي .
والبذور التي نثرها كلّ منّا في قلب الآخر ، ارتوت بماء المحبّة ، فأرسلت براعمها المشتاقة للدفء ، لتلاقي أشعة الحبّ ، التي نزلت من بين الغيوم كضاحكٍ منتصر ، تمكّن من غلب الشتاء ، شتاء قلبينا .
ومن كان ينظر الى وجهي ، كان يعرف مدى سعادتي ببداية الربيع ، مع أنّنا كنّا لا نزال في كانون الأوّل ...
***

0 Comments:

Post a Comment

<< Home