Tuesday, November 16, 2004

Meeting & Friendship لقاءٌ وصداقة


لقد كنت فلّاحاً من قريةٍ جبليّةٍ نائية ، جعلتني بطالة الشتاء قانطاً ، فخرجت من منزلي تحت الأمطار ، لأجد التعزية في حزن الطبيعة .
***
بحثت مطوّلاً الى أن وصلت الى قمّة الجبل المقابل لقريتي . هناك سمعت نغمةً حزينة ، تضاغفت قوّتها مع اقترابي ، ومعها كانت تتضاعف دقّات قلبي ، ومع كلّ دقّة ، كان الحزن يسبح أكثر فأكثر في عروقي ، فخرجت من أعماقي صرخةٌ سبّبها الألم ، ردّدت صداها الجبال المحيطة ، ثمّ ساد سكونٌ رهيب ، خنق الرياح في مهدها ، وجمّد البرد في مكانه .
***
مرّت دقائق الوقت ، وأنفاسي محبوسةٌ ، وروحي معلّقةٌ بين الأرض والسماء . فجأةً سطع أمام وجهي نورٌ رهيب ، كما يسطع البرق في الظلمة الحالكة ، فرأيت فتاةً رائعةً بجمالها ، الذي وشّحه بالكآبة ثوبٌ أسود .
***
وكانت عيناها بحراً من اللؤلؤ ، فراحت أفكاري تتخبّط في اللجج ، والأساسات التي بُنيت عليها حياتي ، صارت تذوب كأنّها أعمدةٌ من ملح ، فأهتزّ كلّ كياني .
فقلت بصوت المستغيث :
- من أنت ؟
قالت : أنا إبنة الطبيعة ، أنا إبنة الشتاء ...
فعرفت ، في قلبي الذي رقد فيه الخوف ، حينها ، من أين حصلت هذه الفتاة على كلّ هذا الجمال .
لكنّي لم أكتفِ ، بل أردت معرفتها أكثر ، ومعرفة سبب بكائها ....
***
فقد كانت أطياف الحزن تلاعب خصيلات شعرها البيضاء الناصعة كالثلج .
فرحلت عنّي أطيافي ، التي دفعتني للهروب من واقع حياتي ، كي تتراقص مع نظيراتها ، على سنفونيّةٍ ، ألّفها أكثر ملحنّي الأرض والسماء حزناً .
ولم يبقَ إلّا معالم وجهي ، التي كانت تحدّق بها ، بعاطفةٍ جبلها الإنسان في قلبي ، على نار جمالها وحزنها .
***
كان الصمت السائد ، كإلهٍ جعل روحينا تتلذّذان بسكون اللسان ، فتفتحت أفواه جراحها الماضية ، التي تكلّمت بدون صوت ، وسُمعت بدون آذان .
لكنّي خرقت السكون ، لأنّ حشرّيتي التي ورثتها ، لم تعد قادرة على الإحتمال ، فسألتها :
- لماذا ، وأنت إبنةٌ للطبيعة ، أتيت الى هذا الحضيض بجسد فتاة ؟.
قالت :
- جئت باحثةً بجسد البشر ، عن صديقٍ من بين أبنائهم .
قلت :
- لماذا تحتاج إبنة الطبيعة الى صديقٍ من بني البشر ، وهي لها حيوانات البراري ، وأشجار الغابات ، والعصافير ، والمياه ، والأزهار، وصخور الجبال ؟. فلو كانت لي القدرة على مكالمتهم مثلك ، لما كنت بحثت بين بني آدم المخادعين . فأنا نفسي من البشر ، وهربت منهم الى الحقول !!.

قالت :
- إنّ في كلّ ما سكن فيّ من حيٍّ وجماد ، أسراراً كثيرةً فاضت بالحزن ، فنغّصت عليّ حياتي .
قلت :
- ولماذا ظهرت عليّ من ظلمة الليالي ، أنا وحدي دون غيري ؟!؟
قالت :
- لأنّي أريدك أن تكون صديقي .
لأنّي رأيتك ، وأنت تراقص أختي إبنة الربيع في عيدها ، فرحاً بفرحها ، الذي أنهته الشمس ، لأنّها لا تريد لأحدٍ أن يبقى سعيداً . متحجّجةً بأنّ ما فعلته هو لأجل أختي ، كي تكون إنسانةً منتجة ، فقتلتها كي تفرح وهي بسمائها بما فعلته ، كي يقول الناس : لولا الشمس ، لما عقدت وكبرت ثمارنا .
لأنّي رأيتك وأنت تروي بمحبّتك ، أختي إبنة الصيف ، التي أحرقتها الشمس الى أن قتلتها ، لتفرح في عليائها الأنانيّة ، ليقول الناس : لولا الشمس ، لما نضجت ثمارنا .
لأنّي رأيتك وأنت تسند بقوّتك ، أختي إبنة الخريف ، زارعاً فيها الأمل ، لكنّ الشمس قتلتها ، بأنانيّتها ، برحيلها ، ليقول الناس : لولا الشمس لما قطفنا ثمارنا .
***
كن صديقي ، فأنا وحيدةٌ أتخبّط في بحيرة الأحزان ، عيوني مختنقةٌ بالدموع ، والتعب سابحٌ في ضلوعي .
أنا وحيدةٌ في بحيرة الأحزان اتألّم .
فأرجوك مدّ يدك من بين الغيوم وانتشلني .
دع ضحكتك تركض اليها لتمحو سوادها ، أعد إليّ الأمل ، إنّ سوادها يعمي عيوني عن الحياة . فاجعلني أعرفها وأحبّها ، بعدما عرّفتني السماء على روحك .
كن لي شمساً تحييني وتغمرني بالدفء ، وأنسني هذه الشمس التي لن تتوقّف قبل أن تقتلني ، كي تتمّ إرادة اله الفصول الذي يسمح بموت واحدتنا ، وولادة الأخرى ، ونموّها على قبر أختها .
أنر كلّ شيءٍ أمامي ، ودعني أرى الحقيقة ، حقيقة نفسي التي أكرهها .
علّمني كيف أحبّ ، واروي قلبي من حنان قلبك ، فقلبي ضعيف .
أرجوك دعّم جدرانه المهدّمة بقوّتك . دعّمها ، واعلم أنّ ما تفعله ، هو لأجل اللّه الذي خلقني
وخلقك . اللّه الذي ربطنا بالمحبّة التي لا تموت أبداً . ربطنا سويّاً ، وأنت لم تكن تراني ، إلّا في شتولك وأرضك وفضائك ، لكنّي كنت دوماً أراك ، في كلّ لحظات حياتك ، لأنّك ساكنٌ في
قلبي ...
***
ولم تكن لي القدرة على الرفض ، لأنّي كنت هائماً بجمالها ، الذي لم أجد مثله عند بنات البشر . لأنّي كنت تائهاً بكلماتها ، التي تناقلتها الرياح نغماً ، لم أسمع بمثله قط .
ثمّ مرّت لحظاتٌ على قلبي ، فضّلت في نفسي أن أموت ، على أن أعيش بدونها حياتي .
لكن ، وككلّ اللحظات السعيدة ، التي تنتهي بسرعة ، جاء اليها طائر البوم ، ليخبرها أنّ الشمس التي يعرفها الناس ، في طريقها الينا . فتركتني ، كي تتمّم العمل الذي أوكلته الفصول
اليها ، وراحت تنثر الغيوم ، وترشّ الثلوج فوق كهف الشتاء ، الذي كانت تسكنه ، كي تحمي أتباعها ونفسها من غضب هذه الشمس .
***
كان هذا الفراق الأوّل ، ومعه عادت إليّ أطياف حزني ، التي كانت قد تركتني . عادت مشبعةً بحزنٍ لم ألقَ مثله ، حتى في أقسى لحظات حياتي ....
***

0 Comments:

Post a Comment

<< Home